الخميس، 4 فبراير 2010

"قصة قصيرة"

" نقدم..لكم"
بقلم د ."محمد أشرف أبو السعود"
إمتلأت الغرفة الكائنة في قاعة الاحتفالات الكبري والخاصة بالمطرب والملحن الكبير"المحروس عبد الصبور" بكل ألوان الطيف من البشر، فأختلطت الروائح المنبعثة من الأجساد ، بتلك المنطلقة من باقات الزهور المنتشرة في كل ركن من أركان الغرفة ، التي علا بداخلها صوت المحروس عبد الصبور على كل الأصوات ، مرحباً تارة ، وشاكراً تارة أخري ، حتي قطع هذه الرتابة ، رجل في عقد الخامس من العمر ، يعلو الشيب رأسه ، اندفع من بين الحضور ، وهو يقول بصوت جهور : مطربنا العظيم .. اليوم يومك
صمت المحروس لفترة غير قصيرة ، راح يتأمل خلالها الرجل .. ثم صاح وهو يحتضنه ويقبله :
المناضل الكبير ..شاعرنا الفاضل " حقانى الكحلاوى " إنه لشرف عظيم ولهذا الحفل الكريم ...
إلتف الحضور حولهما عندما سمعوا باسم حقاني الكحلاوي وعلت أصواتهم بالحوار مع الشاعر الكبير عن قصيدته الأخيرة " صوت الرماد " والتى أثارت عاصفة من الجدل الواسع فى الوسط الأدبى والفنى والشعبى ، لتناولها القضية بالنقد اللاذع ، والصراحة المطلقة ، مما دفع الجهات المسئولة لإقامة حفل خيرى لصالح ضحايا القضية ، وذلك بناء على توجيهات من الرئيس التنفيذى لإدارة الكوارث القومية ، وبإشراف المدير العام للوحدة الثقافية والفنية 0
تذكر الحضور ردود الفعل الغاضبة ، والأخرى المؤيدة للقصيدة .. ثم طلبوا من الشاعر الكبير ، أن يتغنى لهم ببعض من أبياتها ..فأشار لهم المحروس بالصمت ، ثم ارتقى المنضدة الموجودة بوسط الغرفة ، ورفع يده اليسرى عاليا ، وجعل اليمنى مستقيمة ، ثم أنشد قائلا :
من قلب الليل المتدلية أنوراه ..ومن داخل الثلج الأسود ..وثنايا الخوف المترهلة أطرافه ..خرجت أساطير الوهم ..بأياديها الحيرانه تعبث بمؤخرة الحلم الزاحف ..تقتل أبطال الرواية ...شعب ثار ...فتبعثرت ذروة الحلم المنخفضة ...فى قاع محيط رنانة 0
تصايح الحضور مهللين ، وصفقوا كثيرا ، وقال قائلهم : هذا هو الشعر وإلا فلا .. وقال آخر : شاعرنا الكبير ، أنت الرمز الخالد لريادتنا الشعرية 0
ابتسم الكحلاوى وقال وهو يجفف عرقه : أشكركم جميعا ، فى الحقيقة لقد أردت فى هذه القصيدة القضاء تماماً على إشكالية المعتقد والثورة ، وجدلية تداخل الوهم فى الحقيقة ، أو انغماس الأسطورة فى الواقع ..وذلك لإيضاح الوجه الحقيقى لعدالة قضيتنا من خلال المنظور الحداثى للواقع ، وهذا مايجب أن يفعله كل أديب وفنان يحب وطنه ..فقال له المحروس عبد الصبور وهو يبكى متأثرا بما قيل : من أجل كل هذا ، أردت أن تكون أنت فقط الذى يقدم هذا الحفل .. إغرورقت عينا الشاعر الكحلاوى بالدموع واحتضن المحروس ، ثم قبل مابين عينيه ، وسارا معا حتى وصل إلى المسرح ، فأنتظر المحروس خلف الستائر ، تاركاً الكحلاوى يدخل وحده وسط عاصفة من التصفيق ساد السكون بعدها قاعة الاحتفالات ، فقال الشاعر والناقد الكبير الكحلاوى : السيدات والسادة حضور هذا الحفل ، نشكر لكم وقوفكم المشرف خلف هذه القضية التى شغلت الرأى العام كثيراً ، ونضمها إلى ماسبق من كوارث قومية ، وكما تعلمون سيذهب الجزء الأكبر من دخل هذا الحفل لتضميد الجراح ، ومساندة الخيارات المتاحة ، أما ما يتبقى فسيذهب لضحايا القضية ..السيدات والسادة . يشرفنى ويسعدنى أن أقدم لكم مطربنا الشامخ ، قيثارة هذا الوطن فى أغنية بعنوان " لأ " يقول مطلعها :
ياقلبى آه ..ياقلبى لأ ..حبيبك تانى رق ، وطل م الشباك ..متقولش لأ لأ .
السيدات والسادة نقدم لكم المحروووس عبد الصبووور 0
ضجت القاعة بعاصفة من التصفيق والصراخ ، إزدادت ضراوة عندما بدأ المطرب الكبير المحروس عبد الصبور بالغناء : ياقلبى آه ..ياقلبى لأ 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق