الأربعاء، 2 يونيو 2010

"قصة قصيرة "


"سيجارة"

بقلم /"رستم كيلاني"

داهمه سعال حاد حتى كاد يكتم انفاسه , وأحس باختناق شديد , كانت عيناه محمرتين إلي حد يخيل إلي الرائي أن كأسا من الدم القاني قد صب فيهما , فأسرع بإطفاء السيجارة بيد مرتعشة , بسب هزات جسمه من ذلك السعال 00 امتدت يدة إلي كوب الماء الموجود بجانب فراشة , وجرع منه جرعة واحدة فاستراح 00 وحمد الله 0

طفا في داخلة هاتف عنيف :0 كفي00 كفي00صحتك00 لقد نجوت اليوم من الموت , ولاح أمام عينيه شبح الموت , مخيفا , ضخما , يحجب الضوء عن عينيه , وكأنه دخان ملايين السجائر انتشر في الغرفة , عاوده الهاتف من جديد : كل هذا السعال من أجل هذه اللعينة السيجارة 00 أتركها , عالج نفسك , عالج صدرك حتي لا تسقط ضحية لتلك السيجارة الملعونة 00 أخرجته من هذا الهاتف نوبة سعال شديدة , فعاد إلي كوب الماء , يلوذ بجرعة ثانية منه 00 وبينما هو يستعيد انفاسه , أقسم ألا يعود إلى التدخين مرة ثانية 0

نهض من فراشه حاملا بيده علبة السجائر , فتح باب الشقة ونادى بصوت عال : عم يونس 00 يا عم يونس 0

لم يتلق رداً , وحين هم بمعاودة النداء مرة أخرى قفز إلى رأسه خاطر يقول : أتنادى البواب لتعطيه علبة السجائر , أليس كذالك ؟ أتناديه من أجل أن يكون مثلك مدمناً ؟ ما ذنبه ؟ أنت تغريه بإعطائه هذه العلبة الكبيرة المملوءة بالسجائر الفاخرة , حرام عليك , حرام , حرام 0

عاد الي داخل شقته , وأغلق الباب سريعاً , وكأنه يهرب من تأنيب ذلك الخاطر 00 ارتمي بجسده جالساً علي ذلك المقعد خلف الباب , يلتقط أنفاسه , وكأنه عائد من سباق للعدو 00 بعد لحظات قصار , أخرج من جيبه علبة السجائر واخذ يتأملها , ويقلبها بين يديه , ناعمة الملمس , جميلة اللون , رقيقة التصميم , مملوءة , بها تسع عشرة سيجارة , وأخرج واحده منها , فاخرة , ممشوقة كغادة حسناء , أحس بها تبتسم له , لا بل تعاتبه : هل كنت تنوى أن تتخلص منى وتلقيني إلي من لا يعرف قيمتي ؟ إنني أهديك لحظات من الهدوء والانسجام أوفرها لك منذ سنوات طوال , وقتما تريد , أنا أنيس وحدتك , هيا يا صديقي أنا في شوق إلى قبلات شفتيك 00 دون أن يدري وجد يده تمتد لتقبض علي ولاعته ذهبية اللون 00 لكن قبل أن ترتفع يده لتضع السيجارة بين شفتيه , انتفض واقفاً وبعزيمة فائقة ألقي بالسيجارة وبالعلبة كلها علي الأرض , وأخذ يسحقها بقدمه بكل قوة , ثم ارتمي جالساً وهو يجذب نفساً عميقاً من الهواء النقي , وشعر براحة كبيرة , كمن أزاح عن كاهله عبئاً ثقيلاً إلي الأبد 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق